القائمة الرئيسية

الصفحات

"قوانين صندوق النقد الدولي" تؤرق البرلمان التونسي






"قوانين صندوق النقد الدولي" تؤرق البرلمان التونسي






لم يوحِ شيء أن جلسة الثلاثاء 10 آيار/مايو الجاري في مجلس نواب الشعب التونسي ستكون على هذا القدر من الأهمية وستحتل هذا القدر من الجدل، كانت في البدء جلسة مخصصة للمصادقة على عدد من مشاريع القوانين لكن الحضور تفاجأ بدعوة رئيس كتلة "نداء تونس" سفيان طوبال إلى تعديل جدول أعمال الجلسة والنظر في مشروع القانون المتعلق بالبنوك والمؤسسات المالية والإسراع في المصادقة عليه، وهو القانون الذي كان مبرمجًا لجلسة 24 من من آيار/مايو الجاري.





قاطعت المعارضة جلسات المصادقة على قانون البنوك في تونس واعتبرت أن في الأمر مسًا بسيادة البلد وانصياعًا لإملاءات صندوق النقد الدولي



حجة طوبال للتعديل كانت "ضرورة مناقشة مشروع القانون والمصادقة عليه قبل يوم 13 من آيار/مايو الجاري تاريخ اجتماع لصندوق النقد الدولي، سيتم خلاله النظر في تقديم قرض جديد لتونس. وكان رد كتل المعارضة، والمكونة أساسًا من نواب الجبهة الشعبية، وحركة الشعب والتيار الديمقراطي وحراك تونس الإرادة، أن قاطعت الجلسة واعتبرت أن في المصادقة بهذه الطريقة مسًا بسيادة البلد وانصياعًا لإملاءات صندوق النقد الدولي.





خرق النظام الداخلي لتمرير القانون

يقول غازي الشواشي، أمين عام حزب التيار الديمقراطي والنائب عن الحزب في البرلمان التونسي، لـ"الترا صوت": " ينص الفصل 85 من النظام الداخلي للمجلس أن ينشر كل مشروع قانون على موقع المجلس قبل 12 يومًا على الأقل من تاريخ عقد الجلسة المخصصة لمناقشته ويسمح للنواب خلال 4 أيام بتقديم مقترحات التعديل بعد الاطلاع على مشروع القانون، كما ينص الفصل 121 على حالة استثنائية وهي عند طلب استعجال النظر في قانون ما من قبل الطرف الذي قدمه وفي تلك الحالة يتم اختصار الأجال لكن هذا لم يتم احترامه في طريقة تمرير قانون البنوك والمؤسسات المالية للمصادقة، ما حصل خرق للنظام الداخلي للمجلس".

ويضيف الشواشي: "من المعروف أن قانون البنوك والمؤسسات المالية مهم جدًا، وهو محل جدل في العديد من فصوله فكيف يمكن تمريره دون مناقشة وبهذه السرعة في يوم أو يومين؟ كانوا يعلمون أن للمعارضة عديد المآخذ على نص القانون فقاموا بتمريره دونها". ويتساءل الشواشي: "هل صرنا نصادق على القوانين إرضاءً للمؤسسات المالية العالمية وألا يعتبر هذا مسًا من سيادة تونس؟".

هكذا قاطعت كتل المعارضة الجلسة يوم الثلاثاء الماضي وكذلك جلستي الأربعاء والخميس 11 و12 آيار/مايو الجاري، لتتم المصادقة على كامل القانون المتعلق بالبنوك والمؤسسات المالية بموافقة 115 نائبًا من إجمالي 217 وبغياب كلي لكتل المعارضة، ودون أي تعديلات جذرية على النسخة المقدمة من لجنة المالية والتخطيط في مجلس النواب، والتي استلمتها بدورها من الحكومة التونسية وأجرت عليها عددًا بسيطًا من التعديلات.




إفلاس البنوك هاجس القانون الجديد

يتضمن قانون البنوك والمؤسسات المالية الجديد في تونس 198 فصلاً، وينقسم إلى 6 محاور رئيسية تتعلق بالعمليات البنكية، شروط ممارسة العمليات البنكية، الرقابة على النشاط، منظومة التعاطي مع الصعوبات المصرفية، منظومة العقوبات، وتدعيم منظومة الحماية البنكية. وهو مراجعة للقانون عدد 65 لسنة 2001 المؤرخ في 10 تموز/يوليو 2001 والمتعلق بمؤسسات القرض توازيًا مع تنقيح القانون عدد 9 لسنة 1958 المتعلق بإحداث وتنظيم البنك المركزي التونسي، وجاء في تقديم القانون أن الهدف منه "تركيز حوكمة سوق مصرفية ناجعة وفعالة تمكن من تحديث القطاع البنكي وتوفير مقومات الصلابة المالية بما يمكن من تركيز الشروط الضرورية لنمو دائم وسليم يحافظ على الاستقرار المالي ويسهم في حماية المودعين".

وتقول الحكومة إن هذا القانون كان خلاصة استشارة واسعة داخل البنك المركزي التونسي بين أهل الاختصاص والهيئات ذات الصلة ورؤساء البنوك، ولا تنفي دور البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. لكن جدلًا واسعًا كان قد أطلقه عدد من نواب المعارضة بالإشارة إلى فصول بعينها ومنها المتعلقة بالصيرفة الإسلامية وبموضوع إفلاس البنوك وضمان حقوق المودعين إضافة إلى عديد النقاط الخلافية الأخرى.

عن القانون يقول فتحي الشامخي، النائب عن الجبهة الشعبية، لـ"الترا صوت": " هذا القانون هو جزء من حزمة كاملة من القوانين طالب بها وصمم خطوطها الكبرى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنها قانون مجلة الاستثمار، القانون الأساسي للميزانية، قانون البنك المركزي وقانون البنوك والمؤسسات المالية".

ويضيف: "هذا القانون، يعتبر الدولة خصمًا لا بد أن تبتعد بشكل كلي تقريبًا عن كل المجال المالي والبنكي التونسي في المقابل هو يدعم حضور رأس المال الخاص وخاصة المؤسسات العالمية ويعطيها الضمانات الكافية ومثال ذلك أننا في تونس في وقت ليس ببعيد كنا نمنع البنوك الأجنبية من نشاط الإيداع ويسمح لها فقط بنشاط الاستثمار لكن الآن صار لا فرق بين المؤسسات المالية التونسية والأجنبية وهي ظاهريًا مساواة، لكن هل تتساوى المؤسسات التونسية والأجنبية في الخبرة والقدرات المادية؟".

من جانب آخر، يرى غازي الشواشي، عن حزب التيار الديمقراطي المعارض، أن "أهم إشكال في القانون الجديد للبنوك يتعلق بموضوع التصفية والإفلاس". ويوضح: "القانون الجديد على عكس السابق يطرح إشكالية إفلاس أحد البنوك ولا يقدم في المقابل ضمانًا كافيًا للمواطنين الذين أودعوا أموالهم يؤكد إمكانية استرجاعها كاملة في حال إفلاس البنك".





يطرح قانون البنوك التونسي الجديد إمكانية إفلاس البنوك لكنه لا يوفر ضمانات كاملة لاسترجاع أموال المودعين

ويتضمن القانون الجديد إحداث صندوق لتعويض الحرفاء المودعين في حال إفلاس المؤسسات المالية، تساهم في هذا الصندوق كل البنوك الموجودة في تونس، ويمكّن من استرجاع 60 ألف دينار، أي حوالي 30 ألف دولار، من أموال المدخر بصفة تلقائية أما من تجاوزت قيمة مدخراته هذه القيمة فلا ضمان لاسترجاعها بالضرورة. وهذا من شأنه أن لا يشجع المواطنين لإيداع أموالهم في البنوك مما قد يضعف مواردها، في الوقت الذي تعاني فيه المؤسسات المالية والبنكية في تونس من عدم توفر السيولة بسبب نسب النمو الضعيفة والظرف الاقتصادي الصعب الذي تمر به عديد المؤسسات وتعثر خلاص عديد القروض، كما قد تساهم خشية المواطنين على أموالهم من انتشار المعاملات خارج المسالك المصرفية.

في سياق متصل، يسهل القانون تكوين مؤسسات بنكية جديدة وهو ما قد يضر بالقطاع وخاصة المؤسسات الصغيرة من حيث الخبرة ورأس المال، ويذهب البعض إلى أن القطاع البنكي التونسي اليوم يشمل عددًا كبيرًا من المؤسسات المالية ولا يتحمل المزيد منها لأن ذلك سيؤدي إلى تشتته وهو عنصر معرقل لتحقيق الصلابة.

ولم يقتصر الاحتجاج على هذا القانون على كتل المعارضة فقد حذرت كتلة الحرة، وهي الكتلة المنفصلة عن كتلة نداء تونس منذ فترة، في بيان لها الأربعاء 11آيار/مايو الجاري، من ما أسمته "تنامي الشكوك حول الأهداف الاقتصادية والسياسية لهذا القانون خاصة مع اعتماد التصويت الآلي بالمنطق الحزبي، والابتعاد عن منطق التوافق الذي يقتضيه قانون بمثل هذه الأهمية". وأكدت "ضرورة إخضاع عمليات الصيرفة الإسلامية إلى القانون التونسي ورقابة البنك المركزي كباقي المواد البنكية"، معتبرة أن "السماح لبعض البنوك بالتخصص المطلق في النشاط في مجال الصيرفة الإسلامية سيؤدي إلى ضرب مبدأ التكافؤ بين المؤسسات المالية وتشجيع المنافسة غير النزيهة".




النهضة ونداء تونس: "إصلاح ضروري وإيجابي"

في المقابل، تتمسك كتلتي حزبي النهضة ونداء تونس بهذا القانون. في هذا الإطار، يقول شكيب باني، النائب عن حزب نداء تونس وأحد ممثليها في لجنة المالية، معددًا محاسن القانون الجديد، إن "قانون البنوك والمؤسسات المالية هو قانون تعديلي، يندرج ضمن الحراك الإصلاحي الذي شمل المنظومة المالية والبنكية في البلاد، وأنه جاء لتدعيم صلابة البنوك، باعتباره يرفع في رأس المال الأدنى للبنوك إلى 75 مليون دينار تونسي، وهو يدعم الحوكمة الرشيدة في تسيير المؤسسات المالية ويدعم رقابة البنك المركزي على البنوك والمؤسسات المالية".

ويضيف: "يدعم هذا القانون أيضًا الشمولية للبنوك خاصة وأنه لم يجزئ السوق المالية وذلك بإعطاء البنك ترخيصًا مفتوحًا للخدمات البنكية وهو حر إن أراد الاختصاص في نوع من أنواع الخدمات البنكية كالصيرفة الإسلامية أو غيرها، كما أن هذا القانون يعطي أكثر مرونة للبنوك، ويحمي المودعين من خلال إحداث صندوق لضمان الودائع في البنك المركزي".

في الأثناء، أكدت الكتلة النيابية للجبهة الشعبية خلال مؤتمر صحفي الخميس 12 آيار/مايو الجاري، عزمها الطعن في دستورية قانون البنوك والمؤسسات المالية أمام المحكمة الإدارية على أساس خرق مقتضيات النظام الداخلي، وهو ما أكده النائب الشواشي لـ"الترا صوت"، مضيفًا أنه "قد يترتب عن ذلك إلغاء قرار رئيس المجلس بتغيير جدول أعمال الجلسة وبالتالي إلغاء المصادقة على القانون".