في ورشة صغيرة لإصلاح الدراجات النارية، لا يختلف المشهد كثيراً عن أيّة ورشة ميكانيكية أخرى لإصلاح الدراجات أو السيارات في تونس. محلّ بسيط، أرضيته من الإسمنت وجدرانه متسخة، يكسو المكانَ اللونُ الأسود جراء الزيوت وغبار الطريق. قطع الغيار كثيرة ومكدسة بطريقة عشوائية. بعضها قديم وبعضها الآخر جديد. وفي الورشة عدد من الدراجات النارية تنتظر إصلاحها. شيء واحد مختلف عن العادة في هذه الورشة، وهو أنّ العامل فيها امرأة تونسية تعمل في تصليح الدراجات النارية والهوائية منذ أكثر من عشرين سنة.
تنهمك إيمان أفضال في إصلاح إطار لدراجة نارية، بيدين ملطختين بزيوت الدراجات النارية لا تحميهما بقفازين، مرتدية بذلة زرقاء غلب عليها اللون الأسود، غير مهتمة بمظهرها وشكلها. فقد اختارت إيمان العمل في مهنة يمتهنها الرجال بالعادة. قد يبدو الأمر غريباً ونادراً في مجتمع تعوّد أن يكون هذا النوع من المهن حكراً على الرجال أو بعض الفتية. لكنّ إيمان كسرت القاعدة وخاضت غمار مهنة لا تراها من جهتها حكراً على الرجال. تقول إنّها تعلّمت هذا العمل من والدها. فمنذ كانت طفلة عملت معه في بعض الأعمال البسيطة بعد أن تركت دراستها في مرحلة التعليم الابتدائي “لأنّه يعمل بمفرده في الورشة”.
وإيمان كانت تساعد والدها في جمع بعض القطع الميكانيكية أو تغيير الإطارات، وتراقبه خلال إصلاح الدراجات حتى تعلّمت كلّ ما يتعلّق بقطع الدراجات من أصغر الأمور إلى تغيير أكبر القطع في الدراجة وإصلاحها. حفظت أنواعها وأسماءها وأسعارها وطريقة تركيبها. وبعد وفاة والدها ورثت العمل في المحلّ منذ سنوات. تقول: “أنا أكبر إخوتي، لذا تحمّلت مسؤولية العائلة وتوفير قوتهم اليومي بعد وفاة والدي. وقد اخترت هذه المهنة لأنني أرى أنّ المرأة يجب أن تنافس الرجل في جميع ميادين الحياة، والمهم إيجاد عمل لكسب الخبز، والقدرة على النجاح في ذلك العمل واتقانه”. تتابع: “لم أفقد الجرأة على مواجهة المجتمع بمثل هذه المهنة منذ البداية، ولم أكن أختفي عن الأنظار داخل الورشة مخافة استغراب الناس، ولم أهتم بشكلي بقدر اهمامي بإتقان عملي. ومع مرور الوقت أصبحت أقوم بإصلاح الدراجات على قارعة الطريق وأمام الجميع إذا تطلب الأمر ذلك”.